فراق أحبتي أجرى دموعي
ولاعج لوعتي وضناي جارا
لقد جعل الهوى العذري فؤادي
لسقمي منزلاً وجواي جارا
عيوني تستهل دماً ودمعاً
وشوقي في فؤادي لايجارى
وقلبي يستجير وجفن عيني
لما بهما ألم ولم يجارا
فراق واشتياق واحتراق
بأحشائي ولم أجد اصطبارا
ونشر البين لا يُطوَى وطال الْ
فِراقُ ولم أزل أطوي القفارا
ومن أحبابه عنه تناءت
فقدْ فَقَدَ المسَّرةَ والقرارا
ولولا شمس حسن غبت عنها
لَما أبدَى دُجَى فُوْدِي نهارا
نهار تظلم العينان منه
وفيه ليل رأسي قد توارى
ومن ضحك المشيب بعارضيه
غضبْنَ لضحكه البيضُ العذارى
فحتَّام التنائي والتواني
وطيب العمر قد ولى وسارا
وحار بني الزمان كأن عندي
له ثاراً له عادى وثارا
أحن إلى العُدَيْنِ حنينَ صَبٍّ
سقيم في الهوى خلع العذارا
سقى صوب الحيا فيها ربوعاً
تراها للهوى العذري دارا
اذا سجع الهَزارُ بها وغنى
تجاوبه البلابلُ والقمارا
إلى تلك الديار ديار أنسي
ينازعني لها حبي جهارا
فإنْ لام العذول أقول بيتاً
بديعَ النظم في الأقطار طارا
(وما حبُّ الديارِ شغفنَ قلبي
ولكن حب مَن سكنَ الديارا)
ففي تلك المنازل حور عِيْنٍ
إذا ما لُحنَ في ليلِ أنارا
تصاغر عندهن الحسن حتى
رأيتُ الزهرَ في عيني صغارا
فكم من ذات حسن إن تَبَدَّتْ
رأيتَ بخدِّها ماء ونارا
ولي من سفح وادي الدُّورِ غصنٌ
نضيرٌ خدُّهُ فاقَ النضارا
أرى ماء الشباب بوجنتيه
كسقط الطل يعلو الجلنارا
ففرقنا زمانٌ فيه صرنا
كلانا من تفرقنا حيارى
فيا عز الهدى أتظن بعدي
سلواً لا ومن خلق البحارا
أكاد أطير من شوقي ولكن
أرى أسبا تسياري قصارا
وقال وقد تخلص فيها الى مدح قبيلته:
تغلبت البيضُ الحسان عل أمري
وفي الحب ذل الحر بالحر لا يزري
فولا الهوى ما الصَّبُّ صَبَّ دموعَهُ
ولا دان ذو قَدْرٍ بشرع الهوى العذري
لقد شفنى وَجْدٌ ببدرٍ مقنَّع
بطلعته يغنيك عن طلعةِ البدرِ
مليح أسيل الخدِّ حلو رُضَابُهُ
رشيق طويلِ القدِّ مُحتصَرِ الخِصْرِ
تحتم فاه بالعقيق ودرّه
يتيمٌ ومنه الخدُّ كُلِّلَ بالتبر
نعمتُ به والبين في غفلاته
وطابت لنا الأيام والدهر لا يدري
ولم أنس يوماً في رياض تدفقتْ
جداولها والطلَّ في الزهر كالدرِ
كأن غصون الروض وهي موائسٌ
قُدُ وْدٌ عذارى مِسْنَ في حُلَلِ خُضْرِ
وأطيارها من فوقها قد ترنَّمتْ
وانهارها من تحتها أبداً تجري
غنمنا بها اللذات في ظل زهرها
وقد غمزتنا للقا أعينُ الزهرِ
وداعي الصبا قد قام يدعو منادياً
ألا إنّ أيامَ الصبا زهرةُ العمر
وقد نَشَرَتْ منه النسائمُ نشْرَها
وإنْ غنَّتِ الورقاءُ ساجلها القمري
سقاها الحيا من روضةٍ في ظلالها
غدا شملنا في النظم والزهرُ في النثر
بأرض هي الأرض المحببة التي
بواجبها المفروض قد أثقلتْ ظهري
هو الوطن المحبوب معهد صبوتي
حفظتُ له حبًّا تقلده نحري
أيا وطني انْ لم أذد عنك غِيرةً
وللروح في جسمي مجالٌ فما عُذري
أرى لك حقا بعضه بذل مهجتي
وقدراً عظيماً جل عندي عن القادر
تعقد في الأحشاء حبك وانطوى
وضم عليه بين طياته صدري
وفي الطير للإنسان أعظم عبرة
فما طائر إلا يحن إلى الوَكْرِ
فماليَ لا أهوى بلادي التي بها
أعزُّ وإنَّ العزَّ أجدرُ بالحرِّ
وأني أمرءٌ عفتُ الدنايا وهمّتي
نهتني ولي نفس عرفت بها قدري
وقد عرفتني بالمعائب والعلا
فنزهتها عن كلِّ شيء بها يزري
لذا صيرتني بعد قبض عنانها
إلى الخير في قرب وبعد عن المشر
وقومي هم القوم الذين ببأسهمْ
بنوا في الورى مجداً يطول عل الدهر
كرامٌ لدى البأساء أسودٌ لدى الوَغى
تراهم إذا ما أظلمَ النقعُ كالزهر
وأقوالهم في كل صدر تسطرت
وأفعالهم في الكون خالدةُ الذِّكر
أقاموا اهدى حتى أقامَ بارضهم
فهم أهلُ دينِ الله والجودِ والكَرِّ
يرون المنايا في المعالي مغانما
وأخذهم ما يغنمون من النكر
تخب بم عَدْواً بشوقٍ إلى اللقا
جيادٌ عتاقٌ تسبق الريحَ إذ تجري
مفاخرهم كالشهب ضاءتْ وإنني
لمفخرةٌ فيهمْ لهمْ وبهمْ فخري
هم طاولوا الأجيال عزا ومنعةً
وسَلْ عنهمُ التاريخَ في البر والبحر