بَكتْ سُحُبُ الأصيلِ دماً لَمِا بي
ومَا الليلُ البهيمُ سِوَى اكتِآبي
وَرَقَّتْ نَسْمَةُ الأهْوا لسَقْمي
وناحَ الطيرُ وَجْداً مِن عَذابي
وفاضتْ مُقلَتي فسَقَتْ دُموعي
وِهَادَ الأَرض منها والروابي
أَكَفْكِفُ أدمُعي بيدي و مَنْ ذا
يَردُّ بِكفِّهِ فيضَ السحابِ
وهل في الأفْق صوتُ الرعدِ إلاّ
صدّى أضحَى يردِدُهُ انْتِحابي
أحِبائي تَركتُمْ إذ نأيتمْ
جوىً في القلبِ كان به الْتهابي
فيومَ رحيلكمْ لاقيتُ فيهِ
حِسابي قبلَ أنْ ألَقى حِسابي
ذَهْبتمْ يومَ ودَّعْتُمْ وبِنْتُمْ
ورُوحي آذَنْتني بالذِّهابِ
صَحِبْتُ شَبابِيَ المحبوبَ حتَّى
تَرَحَّلْتُمْ ففارقني شبابي
وحلَّ بعارضي شيبٌ ودمعي
عليهِ دَمٌ فَمِن دمعي خِضابي
ونَوْحي والبُكَا طالاَ وزادا
كأنَّ إلى ابنِة السَّلْمِي انْتِسابي
لقد غُمِدَتْ محبَّتُكمْ بقلبي
كما غُمِدَ المُهَّندُ في القِرابِ
وإنَّي لاَ أزالُ حَلِيفَ وَجْدٍ
أَمنِّي القلبَ مِني بالإيابِ
وأدعوكمْ على بُعْدٍ بِوَجْدٍ
وما داعِي البعيدِ بِمُستَجاب
إِذا جَنَّ الظلامُ نفَى منامي
جَوايَ وبِتُّ في كُرَبٍ صِعابِ
أقُلِّبُ في السما وجهي لِسُهْدي
كأنَّي للطوالِعِ في ارْتِقابِ
وقالوا لي دَع الذِّكرَى لِتَسْلو
فقلتُ وقد تَنَاهَوْ في عِتَابي
أَيرتاح ُامرؤٌ في القلبِ منهُ
وجيبٌ دونَهُ طَعْنُ الحِرابِ
أَصِبتُ بِسَهم بَيْنِكَ يا حبيبي
وهلْ مِن بعدِ بَيْنِكَ مِن مُصابِ
كتبتُ إلى عُلاكَ وليتَ أَنَّي
أتيتُ إِليك فيِ طَيِّ الكتابِ
ولا يَشْفي الكتابُ غَليلَ صَبٍّ
كما تَشْفِى مُشَافَهَةُ الخِطَابِ
لأَنت اليومَ مَغْنَاطيسُ قلبي
فليسَ إلى سواك أرَى انْجِذابي
ولا عَجَبٌ إذا ما ازدادَ شوقي
إليكَ اليومَ من دونِ الصِّحابِ
بِقَدْرِ مكارمِ الأخلاقِ في المَرْ
ءِحُبُّ الناسِ يَأتي والتَّصابي
ولولا نَغْمةُ الشحرورِ تُشْجِي
لَما عَشِقوهْ مِنْ دُونِ الغُرابِ
ولولا الطِّيْبُ والأفْهَام مِنَّا
لَكانَ العودُ يُتركُ في الهِضابِ
ومَن أخلاقُهُ حَسُنَتْ وطابَتْ
فذاكَ هُوَ الكريمُ وذو الجَنَاب
متى تأتي لُيَيْلاتٌ قِصَارٌ
تَمُرُّ بسرعةٍ مَرَّ السَّحابِ
رَشَفنا أَكْؤُسَ اللذَّاتِ فيها
كرشْفِ مُتَيَّمٍ خَمْرَ الرُّضَابِ
نَأَيتَ فَمَرَّ حُلْوُ العَيشِ عندي
وقلّتْ حيلَتِي في كلَّ بابِ
إذا مَا المرءُ فَارقَهُ حبيبٌ
فما كلَّ السُّرورِ بِمُسْتَطابِ