بعثتَ الصَّبابةَ يا بلبلُ
كأنّـك خالقُهــا الأولُ
غِناؤكَ يَمْلأَ مَجْرى دمي
ويفعلَ في القلب ما يفعلُ
سكبتَ الحياةَ إلى مهجتي
كأنّك فوق الربى منهلُ
ترتلُ فنَّ الهوى والصِّبا
شجيّاً وإن كنتَ لا تعقلُ
وما الحبُّ إلا جنونُ الحياةِ
وجانبُها الغامضُ المشكلُ
غَزَتْك إلى الوكر مأساتُهُ
ومسَّكَ من خَطْبـِهِ المعضلُ
فضاقَ بك الـروضُ في رحبه
وأنت بأجوائه مرسل
نُكِبْتُ بما نُكِبَ العاشقون
وحُملّتَ في الحب ما حُمِّلـوا
هدوؤك في طيه مِرْجلٌ
وريشُك من تحته مشعلُ
خفيفٌ على الغصن لكنما
فؤادك من لوعة مثقل
أنينُك ينساب بـين الغـصون
كما انساب من نبعه الجـدولُ
ويسري إلى القلب مسرى الحيـاة
وفيه من الوجد ما يقتلُ
حبيبُك جارُك بين الزهورِ
وبينكما دوحةً تفصلُ
ولستَ بعيداً على ناظريه
فمالك من أجله تعولُ
جناحُك فيك فَلِمْ لا تطيرُ
إلى ما تحبّ وما تسألُ
أفي عالَم الطير لُؤْمُ الوشاةِ
ومَنْ يَتَجَسّس أو ينقلُ
وهَلْ للبلابل دِينٌ يصدّ
عن الحبّ أو آيةٌ تنزلُ؟
ألا ايُّها البلبلُ العبقريُّ
والـصادحُ المِدْرهُ الفيصلُ
تَنفّس فأنفاسُك الخالداتَ
روحُ الرياض التي ترفلُ
جناحُك امَنُ مِنْ ظلَّها
وريشُك مِنْ زهرها أجملُ
وأنتَ السعيدُ الوحيدُ الذي
حَباك الزمانُ بما يبخلُ
غناؤك للطّبع لم تكرث
أضاعوا فنونَك أم سجّلوا
وتنشدُ وحدَك ما إنْ تحِسّ
بمن يحتفي بك أو تحفلُ
وتأبى التصنّع بين الجموع
وإن صفّقوا لك أو هلّلوا
وتبكي لفنِّك لا للخطوب
وإن كان فـيهن ما يُذهلُ
تغنّي وترقصُ في دوحةٍ
كأنّ أزاهيرَها محفلُ
ترحِّبُ بالشمس قبل الـشروقِ
كأنّ حماك لها موئلُ
توهمّتَها وَقَفَتْ نفسَها
لِوَكْرك ضَيفاً به تنزلُ
كآنّك حاتِمُ في خِدْرِهِ
يحيّي الضيوف ويستقبلُ
أتوه فقيراً وفي صدْرِهِ
فؤادً وفي فَمِهِ مِقْولُ