(أراكَ عَصِيَّ الدمع شِيمَتُكَ الــصبرُ)
مَهِيباً تَحامتْهُ النوائبُ والدهرُ
سَمَتْ بكَ أخلاقٌ فما قيلَ عندَها
(أما للهوَى نهيٌ عليكَ ولا أمرُ)
(بلَى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعةٌ)
ولكنْ لأمر دونَهُ الأَنْجُمُ الزُّهرُ
أريدُ العُلَى لا أبتغي الدهرَ غيرها
(ولكنَّ مثلي لا يُذاع لَهُ سِرُّ)
(إذا الليلُ أَضْواني بسطتُ يَدَ الهـوى)
لِدَكِّ دياجي الخَطْبِ كيْ يطلعَ الفجرُ
وفُزتُ بما أهواه قَسراً ولم أقلْ
(وأَذللتُ دمعاً مِن خلائقهِ الكِـبْرُ)
(تكادُ تضيءُ النارُ بينَ جَوانحي)
إذا صدَّنَي عمّا سعيتُ له أمرُ
فأَبصرُ في ظلماءِ أمري بنورِها
(إذا هي أذْكَتْها الصبابةُ والفِكرُ)
(مُعلِّلتي بالوصل والموتُ دونَهُ)
لكِ الويلُ سيَّانُ التواصلُ والهجرُ
سأشفي غليلَ النفس من كلِّ مَفْخَر
(إذا مِتُّ ضَمآناً فلا نَزلَ القَطرُ)
(بَدوْتُ وأَهلي حاضرونَ لأنَّنِي)
رأيتُ هِنَاةَ القوم مصدرُها مِصْرُ
وشرّفتُ نفسي بالبداوةِ إنَّنِي
(أرَى أنَّ داراً لستِ من أهلها قفرُ)
(وحاربتُ أَهلي في هواكِ وانَّهمْ)
همُ القومُ لا يَخفى لهم أبداً ذِكرُ
وما كنتُ أقْلُوهمْ وكيف وإنَّهمْ
(وأيَّايَ لولا حبّكِ الماءُ والخمرُ)
(وإن كانَ ما قال الوشاةُ ولم يكنْ)
فلا ذنبَ إلاَّ أنَّ مِن دأبكِ الخَثْرُ
وإنْ زعموا صدقَ الذي قد تقوَّلُوا
(فقدْ يَهـدِمْ الإيمانُ ما شـيَّدَ الكفرُ)
(وفيتُ وفي بعض الوفاءِ مَذلَّةٌ)
وكلّ ام رءٍ يوفي العهودَ هوَ الحرُّ
ولستُ بمشتاقٍ ولاذي صَبابةٍ
(لإنسانةٍ في الحَيِّ شيمتُها الغدرُ)
(وقورٌ وريعانُ الصِّبا يستفِزُّها)
يُخامرها فيهِ الَمِخِيلَةُ والكِبرُ
تصدُّ مَلالاً ثمَّ تذكرُ عهدَها
(فتَأرَنُ أحياناً كمَا يأرنُ المُهرُ)
(تسائلني مَنْ أنتَ وهي عليمةٌ)
وما تختفي شمسُ النهارِ ولا البدرُ
وما جَهِلَتْ إسمي ولكنْ تجاهلَتْ
(وهلْ بفتىً مثلي على حالهِ نُكرُ)
(فقلتُ كما شاءتْ وشاءَ لها الهوَى)
رُوَيْدَكِ إنِّي لـيسَ يُنكرني العصرُ
فتىً قالَ للعلياءِ لَّما سَما بها
(قتيلُك قالتْ ايُّهمْ..؟ فهم كُثْرُ)
(فقلتُ لها لو شئتِ ماتَتَعنَّتِي)
فما راعني منكِ التعنُّت والهجرُ
وما كانَ أحلَى لو تركتِ إساءَتي
(ولم تسألي عنِّي وعندكِ بي خُبْرُ)
(ولا كانَ للأحزانِ لولاكِ مسلَكٌ)
إليَّ وحُزْنِي أنْ يفوزَ بكِ الغَمْرُ
ولولاكِ ما كانَ الغرامُ بنافذٍ
(إلى القلب لكنَّ الهوى للبِلَى جِسْرُ)
(وأيقنتُ ألاَّ عِزَّ بعدي لعاشق)
وكلَّ كلام في الغرام هو الهجَرُ
وما ضرَّني عَتْبُ الحبيب وصَدُّه
(وإنَّ يدي ممَّا عَلِقْت بهِ صِفرُ)
(فقالتْ لقد أزرَى بكَ الدهرُ بعدنا)
فقلتُ نعمْ لولا التجلُّد والصبرُ
فقالتْ وما للدهرِ أضناكَ صَرفُهُ
(فقلثتُ معاذَ الله بلْ أنتِ لا الدهرُ)
(وقلبتُ أمري لا أرى لي راحةً)
أُسَرُّ بها إلاَّ المُثَقَّفَةُ السُّمرُ
وذكرُ العُلَى يَصْبي فؤادي وإنَّهُ
(إذا البينُ أنساني ألَح بيَ الهجرُ)
(فعدتُ إلى حُكم الزمان وحُكمهَا)
وفي مُهجتي ممَّا أكابدُهُ جَمْرُ
قضى بيننا ظلماً عَلَيَّ فأصْبحتْ
(لها الذنبُ لا تُجزَى بهِ ولي العذرُ)
(وتَجفلُ حيناً ثمَّ تدنوا كأنَّما)
يساوِرُها منِّي المهابةُ والذعرُ
وعادتْ فحيَّتْنِي بلُطفٍ كانَّها
(تنادي طَلاً بالوادِ أعجزَهْ الخَضْرُ)
(وإنِّي لَنَزَّالٌ بكلِّ مَخُوفَةٍ)
بها للقنا في كلِّ ناحيةٍ وَكْرُ
وأبرزُ في ميدانِ كلِّ كريهةِ
(كثير إلى نُزَّالِها النظرُ الشزرُ)
(وإنِّي لَجرَّارٌ لكلٌ كتيبةٍ)
مُؤَيَّدَةٍ ما إنْ يَضيعُ لها وَتْرُ
سلاحُ بَنِيها الموتُ في حَوْمَةِ الوَغى
(مُعَوَّدةٍ ألاّ يَخِلَّ بها النصرُ)
فأصْدَى إلى أنْ ترتَوي البيضُ والقَنَا
وتغشَى نواصي الخيل أرْدِيةٌ حُمْرُ
أُحَكِّمُ في أعناقِهمْ غَرْبَ مِخْذَمي
(وأشغب حتى يشبع الذئب والئسر)
(ولا أصبحُ الحيَّ الخلوفَ بغارةٍ)
ولو كانَ لي فيهِ مِن المغنَم الوفرُ
ولم أَستَجِزْ قتلَ البريءِ وسلبَهُ
(ولا الجيشَ ما لمْ تأتِهِ قبليَ النُّذْرُ)
(فيا رُبَّ دارٍ لمْ تُخِفْنِي مَنِيَعةٍ)
تَقاصرَ عنها الطرْفُ وانبهرَ الفكرُ
تَنكَّبَ عنها الدهرُ لم أَتيتُها
(طلعتُ عليها بالرّدَى أنا والفجرُ)
(ضربتُ وجوهَ الخيل حتّى رددتُها)
نكُوصاً عـلى الأَعقاب قدْ هاجَها الـذعرُ
ومقنَبُها بعد التقدُّم جاءني
(هزيماً وردّتَنْي البراقِعْ والخُمْرُ)
(وسَاحِبة الأذيالِ نحوي لَقيتُها)
وفي نفسها مما ألَمَّ بها أمرُ
تَخَالُ المنايا قدْ أناخَتْ بسوحِها
(فلمْ يلْقَها جافِي الطِّبَاع ولا وَعْرُ)
(وهبْتُ لها ماحازَهُ الجيشُ كلُّهُ)
لأني امرءٌ لم تَصْبهِ البيضُ والصُّفرُ
فحيَّتْ وقدْ أَجرَى السرورُ مَدامِعاً
(وراحتْ ولم يُكْشَفْ لأبياتِهَا سِتْرُ)
(ولا رَاحَ يُطْغيني بأَثوابهِ الغِنا)
فكيف و ما أبغي يَعَزُّ لهُ الحَصْرُ
ولا بَخِلَتْ نفسي بمالٍ جمعتُهُ
(ولا باتَ يثنيني عَن الكرم الفَقرُ)
(وما حاجتي بالمالِ أبغي وُفُورَهُ)
فليس هذا المالِ في نظري قَدرُ
وإني امرءٌ بالمال للعرض أتَّقِي
(إذا لم يفرْ عِرْضِي فـلا وَفَرَ الوَفرُ)
(أُسِرْتُ وما صَحْبي بِعُزْلٍ لدَى الـوَغى)
فما حَطَّ من شأني ولا عابني الغَدرُ
وما كنتُ عند النائباتِ بمُحْجِم
(ولا فرسي مُهْرٌ، ولا رَبُّهُ غَمْرُ)
(ولكنْ إذا حُمَّ القضاءُ علَى امرءٍ)
فلا حيلةٌ تجدي هناكَ ولا حِذْرُ
ومَنْ تكُ رُسْلُ الموتِ تطلبُ روحَهُ
(فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ ولابَحْرُ)